الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
{قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين * وَمَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السمآء إِن كُنتَ مِنَ الصادقين * قَالَ ربي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} وهو مُجازيكم به وما عليَّ إلاّالدعوة.{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} وذلك أنّ الله سبحانه حبس عنهم الريح سبعة أيّام وسلّط عليهم الحرّ حتى أخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظلّ ولا ماء، وكانوا يدخلون الأسراب ليتبرّدوا فيها فإذا دخلوها وجدوها أشدّ حراً من الظاهر، فخرجوا هراباً إلى البرية فأظلّتهم سحابة وهي الظلّة، فوجدوا لها برداً ونسيماً فنادى بعضهم بعضاً حتى إذا اجتمعوا تحتها أمطرت عليهم ناراً فاحترقوا.قال قتادة: بعث الله سبحانه شعيباً إلى أُمّتين: أصحاب الأيكة وأهل مدين، فأمّا أصحاب الأيكة فأُهلكوا بالظلّة وأمّا أهل مدين فأخذتهم الصيحة، صاح بهم جبرئيل صيحة فهلكوا جميعاً.أخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن علويه قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا المسيّب عن برد الجريري قال: سلّط الحرّ عليهم سبعة أيام ولياليهن، ثم رفع لهم جبل من بعيد، فأتاه رجل منهم فإذا تحته أنهار وعيون وماء بارد فتمكّن تحته وأخذ ما يكفيه ثم جاء إلى أهل بيته فآذنهم فجاؤوا فأخذوا ما يكفيهم وتمكّنوا، ثم آذن بقيّة الناس فاجتمعوا تحته كلّهم فلم يغادر منهم أحداً، فوقع ذلك الجبل عليهم فذلك قوله سبحانه {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
ينشد رفعاً وجزماً، ومن الجزم قول الراجز: {حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم * فَيَأْتِيَهُم} قراءة العامة بالياء يعنون العذاب.أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: أخبرنا أبو العباس عبد الرَّحْمن بن محمد ابن حماد الطهراني قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن الفضل الحرمي قال: حدّثنا وهب بن عمرو النمري قال: أخبرنا هارون بن موسى العتكي قال: حدّثنا الحسام عن الحسن أنه قرأ {فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} بالتاء فقال له رجل: يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة فانتهره الحسن وقال: إنّما هي الساعة.{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ}.قال مقاتل: فقال المشركون: يا محمد إلى متى توعدنا بالعذاب؟ فأنزل الله عزَّ وجل {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} في الدنيا ولم نهلكهم {ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} يعني العذاب {مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ * وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} رُسل ينذرونهم {ذكرى} أي ينذرونهم تذكرة محلّها نصب، وقيل رفع أي تلك ذكرى.{وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} في تعذيبهم حيث قدّمنا الحجّة عليهم وأعذرنا إليهم.{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} بل نزل به الروح الامين، وقراءة العامّة الشياطين بالياء في جميع القرآن لأن نونه سنخية وهجاؤه واحد كالدهاقين والبساتين.وقرأ الحسن البصري ومحمد بن السميدح اليماني: الشياطون بالواو.وقال الفراء: غلط الشيخ يعني الحسن فقيل: ذلك النضر بن شميل فقيل: إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة ودونهما فهلاّ جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه؟ مع إنّا نعلم أنهما لم يقرآ ذلك إلاّوقد سمعا فيه.وقال المؤرّخ: إن كان اشتقاق الشياطين من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه.وأخبرني عمر بن شبّه قال: سمعت أبا عبيد يقول: لم نعب على الحسن في قراءته إلاّ قوله: وما تنزّلت به الشياطون.وبإسناده عن عمر بن شبّه قال: حدّثنا أبو حرب البابي من ولد باب قال: جاء أعرابي إلى يونس بن حبيب فقال: أتانا شاب من شبابكم هؤلاء فأتى بنا هذا الغدير فأجلسنا في ذات جناحين من الخشب فأدخلنا بساتين من وراءها بساتون.قال يونس: ما أشبه هذا بقراءة الحسن.{وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ} أن ينزلوا القرآن {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} ذلك {إِنَّهُمْ عَنِ السمع} أي استراق السمع من السماء {لَمَعْزُولُونَ} وبالشهب مرجومون {فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين}.أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال: حدّثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمر قال: حدّثني عبّاد بن يعقوب قال: حدّثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء قال: لمّا نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً، الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العس، فأمر عليّاً برِجْل شاة فأدمها ثم قال: ادنُوا باسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم: اشربوا باسم الله، فشرب القوم حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما يسحركم به الرجل، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ فلم يتكلّم.ثمَّ دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا بني عبد المطلب إنّي أنا النذير إليكم من الله سبحانه والبشير لما يجيء به أحد منكم، جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا وأطيعوني تهتدوا، ومَن يواخيني ويؤازرني ويكون وليّي ووصيي بعدي، وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟» فسكت القوم، وأعاد ذلك ثلاثاً كلّ ذلك يسكت القوم، ويقول علي: أنا فقال: «أنت» فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أُمِّر عليك.وأخبرنا عبد الله بن حامد الاصفهاني ومحمد بن عبد الله بن حمدون قالا: أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيّب وأبو سلمة بن عبد الرَّحْمن أنَّ أبا هريرة قال:قام النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله سبحانه {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} قال: «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أُغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف لا أُغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أُغني عنكم من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد لا أُغني عنكِ من الله شيئاً، يا صفيّة عمّة رسول الله لا أُغني عنك من الله شيئاً، فسلوني من مالي ما شئتم».وأخبرني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا عبد الله قال: حدّثنا الأعمش عن عبد الله بن مرّة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لمّا أنزل الله سبحانه {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب، يا بني فهر لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟» قالوا: نعم قال: «فإني نذيركم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبّاً لك سائر اليوم، ما دعوتنا إلاّ لهذا، فأُنزلت {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1].{واخفض جَنَاحَكَ} فليّن جانبك {لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ} من عبادة الأوثان ومعصية الرحمن.{وَتَوكَّلْ} بالفاء أهل المدينة والشام وكذلك هو في مصاحفهم، وغيرهم بالواو أي وتوكل {عَلَى العزيز الرحيم} ليكفيك كيد أعدائك.{الذي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} إلى صلاتك عن أكثر المفسّرين.وقال مجاهد: الذي يراك أينما كنت {وَتَقَلُّبَكَ} ويرى تقلّبك في صلوتك في حال قيامك وقعودك وركوعك وسجودك.قال عكرمة وعطيّة عن ابن عباس، وقال مجاهد: ويرى تقلّبك في المصلّين أي إبصارك منهم من هو خلفك كما تبصر من هو أمامك.قال: وكان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه.أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن قال: حدّثنا السلمي وأحمد بن حفص وعبد الله الفرّاء وقطن قالوا: حدّثنا حفص قال: حدّثنا إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتمّوا الركوع والسجود فوالله إنّي لأراكم من بعد ظهري إذا ركعتم وسجدتم».وقال قتادة وابن زيد ومقاتل والكلبي: يعني وتصرّفك مع المصلّين في أركان الصلاة في الجماعة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، وهي رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس.وقال سعيد بن جبير: وتصرّفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك تفعله، والساجدون في هذا القول: الأنبياء.وقال الحسن: يعني وتصرّفك وذهابك ومجيئك في أصحابك والمؤمنين.أخبرني أبو سهل عبد الملك بن محمد بن أحمد بن حبيب المقري قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن موسى، قال: حدّثنا زنجويه بن محمد، قال: حدّثنا علىّ بن سعيد النسوي أبو عاصم عن صهيب عن عكرمة عن ابن عباس {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} قال: من نبي إلى نبيّ حتى أخرجك في هذه الأُمة.وحدَّثنا أبو الحسن محمد بن علي بن سهل الماسرخسي الفقيه إملاءً قال: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة قال: حدّثنا الحسن بن بشر قال: حدّثنا سعدان بن الوليد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس في قوله سبحانه {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أُمّهُ.{إِنَّهُ هُوَ السميع} لقراءتك {العليم} بعملك.
|